بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة ليوم 12 ربيع الأول 1447هـ الموافق لـ 5 سبتمبر 2025م
تجليات الحياة الطيبة من ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بعثته
الحمد لله الذي أنزل علينا خير كتبه، وبعث فينا أفضل رسله، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، نحمده تعالى على نعمة الإسلام، ونشكره على ما هدانا إليه بمحض الفضل والإنعام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، أكرم الناس خَلْقا وخُلُقا، وأعظمُهم أمانة وصدقا، صلى الله عليه وسلم ما تجملت الحياة وطابت بعبير سيرته وكريم هديه وحاله، وتعطرت السماء والأرض بذكر جميل شمائله وحميد خصاله، وعلى آله الطيبين المطهَّرين بنسبه ونسبته، وصحابته الكرام المتمسكين بهديه وسنته، وعلى التابعين لهم بإحسان من أهل دينه وملته، إلى يوم الورود على حوضه ونيل شفاعته.
أما بعد؛ أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، فإن غاية ما يسمو إليه العلماء في “خطة تسديد التبليغ” هو توجيه الناس إلى الاقتباس من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، والاغتراف من معين ما جاء به من الوحيين كتابا وسنة لهداية البشرية، وإخراجها من الظلمات إلى النور؛ حتى تعيش حياة طيبة كما وعدها الله تعالى بذلك بشَرطيْ الإيمان الصادق والعمل الصالح.
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على سبيل الامتنان والإكرام:
«لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنَ اَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُومِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٞ»[1].
فالآية الكريمة صريحة في أن الغاية من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، هي رفع الحرج والعنت عن الناس، وأن ذلك من مظاهر الرحمة التي بُعِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل بثها ونشرها في الدنيا، وجني ثمارها وجزائها بنيل رضوان الله والجنة في الآخرة.
وهذا ما يسعى العلماء من مقام مسؤوليتهم وأدائهم للواجب المنوط بهم باعتبارهم ورثةَ النبي صلى الله عليه وسلم، ونوابَ أمير المؤمنين وأمناءَ الأمة في القيام بوظائف الرسول صلى الله عليه وسلم، من تلاوة الآيات وتزكية الأنفس وتعليم أحكام الدين من خلال الكتاب والحكمة، كما قال الله تعالى:
«لَقَدْ مَنَّ اَ۬للَّهُ عَلَى اَ۬لْمُومِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاٗ مِّنَ اَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِے ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ»[2].
وعيد المولد النبوي الشريف مناسبة لاستجلاء الحياة الطيبة من خلال السيرة النبوية العطرة، والتملي بالشمائل المحمدية الندية، وتثبيت النفوس والقلوب بدلائل النبوة الجلية.
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة هي المنجم الذي لا ينفد، والكنز الذي لا يفنى، كلما عاد إليها المؤمن يجد فيها حلولا لمشاكله، وأدوية لأمراضه، وراحة وطمأنينة لنفسه. ولنكتف من ذلك اليوم بما يلي:
ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ميلاد أمة، وميلاد رحمة، وميلاد شريعة كلها عدل ورحمة وإنصاف ووفاء، وحياء وحزم وعزم، فما على المؤمن المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الاتصاف والاقتداء به بما يجعله قدوة لغيره في العبادات والمعاملات.
فقد ظهر مع ميلاده صلى الله عليه وسلم، الخير والبركة، في بيته وبيت حليمة السعديةِ مرضعتِه، وما صاحب ذلك من خصب ورغد عيش، مما جعلها لا تستطيع فراقه صلى الله عليه وسلم لولا الخوف عليه، بسبب ما حدث له من معجزة شق صدره الشريف، وهو في ديار بني سعد.
وهذا ما جعل الناس يرغبون في صحبته والتجارة معه، وتنال أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها حظوة الزواج منه صلى الله عليه وسلم، لما رأته من الإرهاصات النبوية التي تدل على أن هذا الرجل سيكون له شأن عظيم.
وبذلك حقق النبي صلى الله عليه وسلم حياة طيبة لنفسه وأهله وأقاربه حتى قبل بعثته رسولا، وكان مثالا يحتذى في خدمة أهله وبلده على الرغم مما كانوا عليه قبل نزول نور النبوة وروح الوحي.
نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يصطفي من يشاء من عباده لنشر الخير والمحبة والسلام، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وشفيع الأنام، سيدنا محمد وعلى آله وصحبته نجوم الهدى وبدور التمام.
عباد الله؛ إن من مظاهر الحياة الطيبة، التي جاء بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، ونشرها قبل بعثته، ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من كريم الأخلاق كالصدق والأمانة والحياء والوفاء، وغيرها من جميل الشمائل التي تحلى بها صلى الله عليه وسلم، حتى عرف بين الناس بالصادق الأمين، فاستودعوا عنده أماناتهم، واطمأنوا إلى جميل معاشرته وحسن معاملته.
ونستفيد من نهجه صلى الله عليه وسلم أن الدعوة بالحال قبل المقال أفيد وأنجع، وأكثر تأثيرا في الناس وأنفع، مصداقا لقول الله تعالى:
«وَمَنَ اَحْسَنُ قَوْلاٗ مِّمَّن دَعَآ إِلَى اَ۬للَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحاٗ وَقَالَ إِنَّنِے مِنَ اَ۬لْمُسْلِمِينَ»[3].
حيث جعل الله تعالى أحسن أسلوب للتبليغ في الدعوة إلى الله العمل الصالح والقدوة الحسنة والقول الطيب.
ومن تلك المظاهر كذلك ما قالته السيدة خديجة، رضي الله عنها، يوم نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: إني خشيت على نفسي، فقالت بكلام الواثق بالله تعالى:
«كلا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسب المعدوم، وتُقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق»[4].
ونستفيد من هذا الموقف أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان منشغلا بهموم قومه حاضرا عند نوائب الحق لنصرتها، حاملا ما يثقل على الناس من جليل الخصال: من مساعدة الفقير وقرى الضيف وصلة الرحم، وغيرها من الخصال التي أكد عليها الإسلام بعد نزول الوحي.
والجامع بين هذه الخصال الحميدة أنها في خدمة الغير والإحسان إليه، وهذا ما يحقق الحياة الطيبة للجميع، بنشر المحبة والأخوة بين الناس. وليس ذلك ببعيد عمن اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم واستن بسنته وهديه القويم.
هذا، وصلوا وسلموا، عباد الله؛ على الهادي الأمين معلم الناس الخير سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، عدد ما في علم الله العظيم وأفضاله، والرضى عن خلفائه الراشدين المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين. اللهم احفظه بحفظ كتابك، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد، مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.
وارحم اللهم برحمتك الواسعة الملكين الجليلين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.
اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من عبادك الراشدين، اللهم خلقنا بأخلاق نبيك وحبيبك سيدنا محمد، واجعلنا من المتبعين لهديه وسنته، واحشرنا ووالدينا وآباءنا وأمهاتنا في زمرته، وأوردنا حوضه، وارزقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبدا. آمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] . التوبة 129.
[2] . آل عمران 164.
[3] . فصلت 32.
[4] . صحيح البخاري، بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، 1/7. رقم الحديث بالمنصة 198.