جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع: «المعاشرة بالمعروف -2-» ليوم 22 محرم 1447هـ الموافق لـ 18يوليوز 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
 خطبة منبرية في موضوع: المعاشرة بالمعروف -2-
ليوم الجمعة : 22 محرم 1447هـ الموافق لـ 18يوليوز 2025م

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، نحمده جل وعلا على نعمه، ونشكره على آلائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انفرد بالوحدانية والبقاء، وأسس علاقة الإنسان على المعاشرة بالمعروف والنقاء، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أكرم الناس عشرة، وأطيبهم صحبة، من رآه من بعيد هابه، ومن عاشره أحبه، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الأكرمين، وعلى صحابته الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد؛ أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، فإن من اهتمامات العلماء الكبرى من خلال «خطة تسديد التبليغ»، التركيزَ على حسن المعاشرة بين أفراد المجتمع، وخصوصا داخل الأسر والبيوت، تنزيلا لما جاء في البيان القرآني والهدي النبوي من الأمر بالمعاشرة الحسنة. كقوله تعالى:

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ﴾[1].

وقول النبي ﷺ:

“وخالق الناس بخلق حسن”[2].

عباد الله؛ لقد أكدت الخطبة الماضية على موضوع المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، وأنها الأساس السليم لبناء الأسرة المستقرة على أركان السكينة والمودة والرحمة والفضل. مع ما تثمر من العدل والإنصاف والإحسان والإيثار والتفاني في خدمة الطرف الآخر.

واليوم نذكر أن من المعاشرة بالمعروف، أن تمتد ظلال الرحمة والمحبة الوارفة على جميع أفراد الأسرة. قال رسول الله ﷺ:

“خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”[3].

فالمسلم مطالب بمعاشرة والديه بالمعروف على قدر وسعه وإحسانه، أن يسعهم بخلقه وكلمته الطيبة، وقوله اللين قبل عطائه وماله. وحقهم بعد حق الله تعالى مباشرة في الإحسان والشكر، كما في قوله تعالى:

﴿وَقَض۪يٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناًۖ﴾[4]

. وقوله جل ذكره:

﴿أَنُ اُ۟شْكُرْ لِے وَلِوَٰلِدَيْكَۖ﴾[5].

والمسلم كذلك مطالب بالمعاشرة الحسنة لزوجته وأبنائه، فهم أهله وعماد بيته، وذلك بالقيام بالواجب تجاههم بالمحبة أولا ثم بحاجاتهم المادية ثانيا، وعلى كل من الزوج والزوجة أن يكون القدوة للآخر وللأولاد لينا ورحمة ولطفا، وتعليما وتربية، وأن يتحمل المسؤولية في كل ما يلزمه القيام به شرعا لصالح الجميع.

وعلى هذه المسؤولية يمكن أن تقوم هذه المعاشرة على السكن النفسي والمودة والرحمة، والرفق والحماية المعنوية.

كما قال الله تعالى:

﴿وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاٗ لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحْمَةًۖ اِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوْمٖ يَتَفَكَّرُونَۖ﴾[6]

عباد الله؛ إن نجاح العلاقات الأسرية يكون وفق قواعد الاحترام المتبادل، وكذا مبادئ الحياء، وقيم الوفاء ثم التسامح في الأخطاء، فهو جزء عظيم من عافية الأسر وسلامتها، وهو خلق الكرام، وبذلك تسعد الأسرة وتعيش حياة طيبة، وتكون مكونا صالحا في المجتمع.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، وهداني وإياكم إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات؛ ينبغي للمسلم كذلك أن يعاشر أقاربه بالمعروف، وهم أولى بعد والديه وزوجته وأبنائه ببره وإحسانه، لقول الله تعالى:

﴿وَاعْبُدُواْ اُ۬للَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِۦ شَيْـٔاٗۖ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناٗ وَبِذِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْيَتَٰم۪يٰ وَالْمَسَٰكِينِ وَالْج۪ارِ ذِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْج۪ارِ اِ۬لْجُنُبِ وَالصَّٰحِبِ بِالْجَنۢبِ وَابْنِ اِ۬لسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتَ اَيْمَٰنُكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاٗ فَخُوراًۖ[7].

لقد جعل الله تعالى في الآية الكريمة التوحيد أساساً، وجعل من أهم تطبيقات ذلك العناية بذوي القربى وهم أقرب الناس إليك، وأولاهم بعطفك وإحسانك وعطائك،

فاليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول”[8] 

ثم من يليهم من اليتامى والمساكين والجيران وابن السبيل، كما فصلتهم الآية الكريمة السابقة.

وختمت الآية بقوله تعالى:

﴿إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاٗ فَخُوراًۖ﴾.[9]

لبيان أن الكبر والخيلاء والافتخار ليس من أخلاق المؤمن، ولا من المعاشرة بالمعروف المطلوب شرعا، وذلك لما تفضي إليه من قطيعة الأقارب خاصة، والناس عامة.

عباد الله؛ إن المذاهب السياسية والاجتماعية في عصرنا الحاضر، لها تصورات مختلفة للأسرة يدور عليها التنافس، ومن تأمل في هذه شريعة الإسلام في ما يتعلق بالأسرة سيدرك أن القيم المطلوبة في الكتاب والسنة هي المخرج للإنسانية في هذا الباب، وعندما نتحدث عن الكتاب والسنة فعلينا أن ننتبه إلا أن عددا من العوائد والتصورات الخاطئة تتحكم في سلوك العلاقة مع الرجل وهي ليست من الكتاب ولا من السنة إذا خرجت عن الحق والمساواة والمرحمة.

ألا فاتقوا الله، عباد الله، وأصلحوا ذات بينكم، واعلموا أن المعاشرة الحسنة من أسباب السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة، وأن قطيعة الرحم من أسباب الشقاء وعدم المغفرة وعدم قبول الأعمال.

هذا ولنجعل مسك الختام، أفضلَ الصلاة وأزكى السلام، على سيد الورى وشفيع الأنام، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد بما هو أهله، وصل وسلم على سيدنا محمد حق قدره ومقداره العظيم.

وارض اللهم عن آله الطيبين وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، المهاجرين منهم والأنصار والتابعين لهم في حسن المعاشرة قولا وفعلا وأخلاقا.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم بحفظ كتابك، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.

وارحم اللهم الملكين المجاهدين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، في أعلى عليين.

اللهم كما حسنت خلقنا فأحسن خلقنا وقنا عذاب النار، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واسترنا بسترك الجميل. وارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

[1] – النساء 19.

[2] – سنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في حسن معاشرة الناس، 4/355. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف:10187.

[3] – سنن الترمذي، أبواب المناقب، باب ما جاء في فضل أزواج النبي ﷺ 709/5. رقم الحديث بمنصة محمد السادس:9661.

[4] – الإسراء 23.

[5] – لقمان 13.

[6] – الروم 20.

[7] – النساء 36.

[8] – صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى 2/112. رقم الحديث بالمنصة:5946.

[9] – النساء 36.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)