جارٍ تحميل التاريخ...

الدعوة إلى الهدى والخير والنهي عن الدعوة إلى الشر والضلال – ذ. توفيق الغلبزوري

النسخة المكتوبة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته وهداه،

أيها الإخوة الأئمة الفضلاء: هذا الحديث أصل فيما تشتغلون به اليوم من الدعوة إلى الهدى والعلم، والنهي عن الشر والضلال،

فعَنْ أبِي هُريرةَ – رَضْيَ اللهُ عنه – أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: “مَنْ دَعَا إلى هُدًى كان لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجورِ مَنْ تَبِعهُ لا يَنقُصُ ذلك مِنْ أجُورِهم شيئًا، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كان عليه مِنَ الإثمِ مثلُ آثامِ مَنْ تَبِعهُ لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ آثامِهم شَيئًا”.

تخريج الحديث:

أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة رقم: 2674.

ترجمة راوي الحديث:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: “عبد الرحمن بن صخر الدَّوْسي-أي من دوس باليمن-: أبو هريرة، هو مشهورٌ بكُنيته، وهذا أشهر ما قيل في اسمه واسم أبيه؛ وقال النووي: إنه أصحُّ.

وكناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا هر، وقد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما مهاجرا سنة سبع من الهجرة وأسلمت أمه رضي الله عنها واسمها ميمونة بنت صبيح، كان لطيفًا، حليمًا، وقورًا، مَرِحًا، كريمًا، وكان ذا دُعابةٍ، وكان من أهل الصفة في المسجد النبوي، متفرغا لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وللعلم والجهاد معه، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ينسى ما يحفظ؛ ولهذا صار حافظ الإسلام وراويته، وأكثر الصحابة رواية للحديث رضي الله عنهم أجمعين[1].

شرح الحديث:

يبين هذا الحديث النبوي الشريف أن الداعي إلى الخير يُكافأ على كل من استجاب لدعوته، وأن الداعي إلى الشر يتحمل وزر كل من استجاب لدعوته، وهو ما يوضح أن المتسبب في العمل كالمباشر له، وأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر. 

الدعوة إلى الهُدى:

تعني بيان الحق للناس ودعوتهم إليه، سواء بالقول أو بالفعل، مثل تعليم الناس الصلاة أو العلم أو الصدقة أو غيرهما من الأعمال الصالحة. 

الأجر:

كل شخص يتبع هذا الهُدى ويستجيب للدعوة، فإن الداعي يحصل على أجر مساوٍ لأجر كل من اتبعوه، دون أن ينقص من أجورهم شيء. 

الدعوة إلى الضلالة:

تشمل دعوة الناس إلى الشر، أو ارتكاب المنكرات والتشجيع عليها، أو أي محرمات. 

الإثم:

الداعي إلى الضلالة يتحمل وزر كل من استجاب لدعوته واتبعها، ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا. 

الجزاء من جنس العمل:

الحديث يوضح أن الجزاء يكون مطابقًا للفعل، فمن دعا إلى خير كان له مثل أجر فاعله، ومن دعا إلى شر كان عليه مثل وزر فاعله. 

خطورة الاقتداء:

الحديث فيه تحذير للمسلم الذي يقتدى به، أن يحذر من مجاهرة بالمعصية أمام الناس، لأنه يأثم بمن يقلده ولو لم يحثه على ذلك. 

من فوائد الحديث:

¯   فضل الدعوة إلى الهدى؛

¯   تبيّن عِظم فضل الله وكرمه في جعل الدعوة إلى الخير سببًا لنيل أجر عظيم؛ 

¯   خطورة الدعوة إلى الضلالة؛

¯   تُظهر مدى خطورة الدعوة إلى الشر، وأن الداعي يتحمل وزر من تبعه في الدنيا والآخرة.

تحفيز المسلمين: 

يحفز المسلمين على أن يكونوا دعاة إلى الخير والهدى، وأن ينشغلوا بنشر العلم وتبيين الحق للناس.

الاهتداء بشرح الأئمة لهذا الحديث:

 قال العلامة الشيرازي: (الهدى): الصراط المستقيم، يعني: من دل جماعةً على خيرٍ أو عمل صالح، فعمل أولئك الجمع على ذلك الخير، أو عملوا بذلك العمل الصالح، يحصل للذي دلَّهم على الخير من الأجر والثواب مثل ما حصل لكل واحد منهم؛ لأنه كان سببَ حصولِ ذلك الخير منهم، ولولا هو لم يحصل ذلك الخيرُ منهم. (ولا ينقص من أجرهم شيء) بسبب أنْ حصل له مثل أجورهم جميعًا؛ لأنه لا يؤخذ من أجورهم ما حصل له، بل أعطاهم الله تعالى وإياه من خزانةِ كَرَمه[2].

وقال العلامة الطيبي: (هدى) وهو إما الدلالةُ الموصلةُ إلى البُغية، أو مطلقُ الإرشاد، وهو في الحديث ما يُهتدى به من الأعمال الصالحة، وهو بحسب التنكير مطلق شائع في جنس ما يقال له: هدى، يطلق على القليل والكثير، والعظيم والحقير، فأعظمُه هدى مَن دعا إلى الله وعمل صالحًا، ومن ثَمَّ عَظُمَ شأن الفقيه الداعي المنذر، حتى فُضِّلَ واحدٌ منهم على ألف عابد؛ لأن نفعه يعم الأشخاص والأعصار إلى يوم الدِّين.[3]

وقال العلامة الكرماني: قوله: “مَن دعا إلى هدى“؛ أي: ما يُهتدَى به من الأعمال الصالحة. “كان له“، أي: لذلك الداعي. “مِن الأجر مثلُ أجور مَن تبعَه“؛ وذلك لأنَّ الدعاءَ إلى الهُدى خصلةٌ من خِصال الأنبياء.[4]

الخلاصة:

الشرع الشريف حث على نشر الخير بين المسلمين، وأن من دعا إلى الله وتبعه غيره فاهتدى بهدايته، أو دل على خيرٍ أو عملٍ صالٍح؛ كتعليم علمٍ، أو عبادةٍ أو أدبٍ أو غير ذلك، فله أجره وأجر من تبعه وعمل بدعوته لا ينقص من أجر الفاعل شيء، وذلك لأنَّ الدعوة إلى الخير والهُدى خصلةٌ من خِصال الأنبياء، وجوهر دعوتهم وإصلاحهم.

جعلنا الله هداة إلى الهدى والعلم، وجنبنا الدعوة إلى الشر والضلالة.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1]– انظر:الإصابة في تمييز الصحابة (4 / 316)، طبعة دار الجيل – بيروت، وسِيَر أعلام النبلاء (2 / 578)، طبعة مؤسسة الرسالة .

 المفاتيح في شرح المصابيح: 1/ 263، ط دار النوادر. [2]

[3] انظر: الكاشف عن حقائق السنن للطيبي، (2/ 625، ط. نزار مصطفى الباز).

[4] في “شرح المصابيح” (1/ 165، ط. إدارة الثقافة الإسلامية).

 

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)